المقدمة
للزجاج استعمالات كثيرة لا يمكن حصرها؛ فهناك من الأطعمة ما يحفظ في جرار زجاجية، كما يتناول الناس بعض أنواع الشراب من كؤوس زجاجية. وهناك نوافذ مباني البيوت، والمدارس، والمكاتب وكلها تصنع من الزجاج ،وبالإضافة إلى انه يستعمل في الزخارف والتجميل.
ومنذ عرف الناس كيف يصنعون الزجاج، فإنهم لجأوا إلى استعماله أيضًا باعتباره مادة فنية ،كما أصبح هناك فن قائم بحد ذاته على إنتاج أعمال فنية ,تنتج لمرة واحدة لا غير وهي مصنوعة كليا أو جزئياً من الزجاج تسمى بفن الزجاج.
وأنا في هذا البحث أحاول أن استعرض لكم الزجاج وكيفية الاستفادة منه باعتباره مادة فنيه.
نبذة تاريخيــــة
العصور القديمة قبل أن يتعلم الناس أسرار صنع الزجاج، وجدوا زجاجًا متكوِّنًا بطريقتين مختلفتين. فعندما كان البرق يرتطم بالرمل، كانت الحرارة أحيانًا تصهر الرمل وتصنع منه أنابيب رفيعة طويلة تُسمَّى ذات الوميض، كذلك فإن حرارة البراكين المتفجرة الهائلة كانت هي الأخرى تصهر أحيانًا الصخور والرمال وتكوّن منها زجاجًا يعرف باسم السبج (الزجاج البركاني). وكان الناس في العصور الأولى يصنعون من هذا الزجاج البركاني سكاكين ورؤوس سهام وحليًا ونقودًا.
لا يعرف بالضبط متى تعلم الناس صنع الزجاج، ولا أين كان ذلك أو كيف تعلموه؛ ولكن من المعتقد عمومًا أن صنع الزجاج تم في شكل سطح لامع على أوعية خزفية قبل سنة 3000 ق.م. وكانت أول أوعية زجاجية قد صنعت حوالي سنة 1500 ق.م. في كل من مصر وبلاد ما بين النهرين. ونجحت صناعة الزجاج نجاحًا عظيمًا طوال فترة الأعوام الثلاثمائة التي تلت ذلك، ثم أخذت في التدهور.ثم ما لبثت أن أعيدت إلى الحياة مرة أخرى في حوالي سنة 700 ق.م. وما بعدها في بلاد ما بين النهرين؛ كما عادت إلى مصر حوالي سنة 500 ق.م. وما بعدها. ثم أصبحت مصر وسوريا والأقطار الأخرى التي تطل على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية مراكز لصناعة الزجاج.
كانت صناعة الزجاج قديمًا بطيئة وكثيرة التكاليف، كما كانت تحتاج إلى عمل مضن. ولم يكن يعرف شيء عن نفخ الزجاج أو تلدينه. وكانت الأفران صغيرة والقدور الفخارية من نوع قليل الجودة، والحرارة تكاد لا تكفي لصهر الرمل. ولكن في نهاية الأمر تعلم صانعو الزجاج الطريقة التي يصنعون بها الزجاج الملون ليتخذوا منه حليَّا، وأواني لمستحضرات التجميل وبعض الأكواب والجرات الصغيرة. وكان الأثرياء هم الذين يستطيعون اقتناء هذا الزجاج، مثل القساوسة وطبقة الحكام، فيعتبرون هذه المنتجات الزجاجية قيمة كالمجوهرات. وسرعان ما عرف التجار أنه بالإمكان حفظ الخمور والعسل والزيوت في هذه الأواني الزجاجية إذ ثبت لديهم أنها أفضل في حفظ هذه المواد من الأواني الخشبية أو الفخارية.
اخترعت طريقة نفخ الأنبوبة بوساطة مجهول وذلك حوالي سنة 30 ق.م.، وربما كان ذلك في شواطيء البحر الأبيض المتوسط الشرقية. وأدى هذا الاختراع إلى شطب اسم الزجاج من قائمة الأشياء التي تدل على الترف والرفاهية. وأصبحت صناعة الزجاج مهمة في كل الأقطار التي كانت تحت الحكم الروماني.
وقد عرف صناع الزجاج في هذه الفترة كيف يصنعون الزجاج الشفاف، كما قاموا بصنع زجاج بطريقة النفخ كما تعلموا طلاءه وتذهيبه، وتعلموا كذلك كيف يصنعون طبقات من الزجاج من مختلف الألوان، ثم يقطعون بعد ذلك تصميمات بارزة منه. و ربما كانت آنية البورتلاند الشهيرة التي صنعت في روما في بداية العهد النصراني مثالاً حسنًا لهذا الفن. وتعتبر هذه الآنية إحدى الأواني الزجاجية الفنية .
العصور الوسطى. يُعرف القليل عن صناعة الزجاج في الفترة بين تدهور الإمبراطورية الرومانية والقرن الثالث عشر الميلادي. وقد تطورت صناعة الزجاج في البندقية بحلول الحروب الصليبية، وفي سنة 1291م، ظهر هناك نظام نقابي لعمال الزجاج. ونقلت المعدات لجزيرة مورانو التابعة للبندقية ومن ثم بدأ العصر الذهبي الثاني للزجاج.
وكان نافخو الزجاج من سكان البندقية قد ابتكروا بعض أنواع الزجاج الرائع الأنيق الرقيق جدًا مما لم يشهد العالم له مثيلاً وأبدعوا في إجادة زجاج الكريستال، وهو زجاج شفاف لا لون له تقريبًا ومن الممكن نفخه ليصل إلى سماكة غاية في الرقة وبأي شكل يراد. ومن الكريستال صنعوا نماذج أعمال زخرفية غاية في التعقيد في الجرار، والأكواب والمزهريات وغيرها من الأواني.
وفي خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وصل فن صنع النوافذ الزجاجية الملونة إلى القمة في سائر أنحاء أوروبا.وبحلول نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وبداية القرن السادس عشر أصبح صنع الزجاج مهمًا في ألمانيا وبعض أقطار أوروبا الشمالية، وأخذت المصانع في صنع الأواني وأكواب الشرب بشكل رئيسي. وكانت مصنوعات أقطار أوروبا الشمالية أثقل وأكثر متانة وأقل نقاء من كريستال البندقية.
وأصبحت صناعة الزجاج مهمًة في إنجلترا خلال فترة حكم الملكة إليزابيث الأولى (1558-1603م). وبحلول عام 1575م كانت إنجلترا تنتج زجاجًا على نمط زجاج البندقية. وفي سنة 1674م سجل أحد صناع الزجاج الإنجليز وهو جورج رافنزكروفت اختراع نوع جديد من الزجاج كان قد غيَّر فيه المقوِّمات العادية. وسمي هذا الزجاج بالزجاج الرصاصي، وهو يحتوي على كمية كبيرة من أكسيد الرصاص. وقد أدى صنع الزجاج الرصاصي الذي يصلح للاستعمال في الآلات البصرية إلى ازدهار صناعة الزجاج الإنجليزية.
الكاتبة : أسماء خالد العماري
أسماء خالد العماري كاتبة *حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم.من كلية التصاميم والفنون في الرسم والفنون. تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. جامعة الملك عبدالعزيز. *حازت على جائزة التحدي. مسابقة tiny لأصغر لوحة. كلية التصاميم. *حاصلة على عدة دورات و شهادات في مجال التربية الفنية.* مشاركة في ملتقى ومعرض منارة العرب الدولي الثاني الالكتروني للثقافة والفنون. الاردن.