العوامل المؤثرة على المشغولة الفنية

أولاً : البناء الشكلي (التصميم) :

التصميم الجيد أساس كل عمل فني في كل العصور ، ومهما احتوى العمل الفني على مهارة أدائية كبيرة فإن مصير نجاحه أو فشله مرتبط ارتباطاً كلياً بعملية التصميم ، فالتصميم عامل أساسي يساعد على وضوح الرؤية ، لتطوير الإنتاج الفكري للعمليات الإبتكارية في تناول الأعمال الفنية المختلفة ، وهو اللغة التي تمكن المصمم من توقع ملامح الشكل العام .

وعرف (الرزاز ، 1984م) التصميم بأنه ” وسيط تعبيري للتفاهم ، وأسلوب للثقافة المرئية ، يستند في مقوماته إلى وعي بالإمكانات البشرية والتميز البصري ، كما أنه أحد مجالات النشاط الأساسية إذ لا يوجد عمل فني بدون تصميم ، بمعنى وضع العمل الفني وتقدير ما سيستخدم في صياغته من عناصر ونسب لتحقيق الهدف الأمثل لهذا العمل “.

وعرفت (بيفلين ، 1970م) التصميم بأنه ” نشاط ابتكاري الهدف منه تحديد الهيئة العامة للأشياء ، تلك الهيئة ليست فقط في الهيئة الخارجية ، ولكن في علاقته البنائية والوظيفية التي تحول نظاماً معيناً إلى وحدة متكاملة ونقصد بالتصميم هو هذا الابتكار الذي يتلاءم مع الاحتياجات الإنسانية والبيئية ، مراعياً للوظائف والجمالية والاستخدام “.

ويتأثر التصميم بعدة عوامل مهمة خارجة عن البناء الفني ذاته ، لأن الفنان المصمم لا يعبر عن إحساساته الفنية من الفراغ ، ولكنه يستعمل في ذلك التعبير بخامات وأدوات متباينة ، وهو يهدف إلى سد حاجات إنسانية أو اجتماعية معينة ، لأن لكل تصميم وظيفة يقوم بها تؤثر في عملية الإخراج الفني. وهذه العوامل هي: الخامات ، والمهارات الأدائية المتصلة بها ، ووظيفة العمل الفني أو القطعة التي ينتجها الفنان ، وموضوع التصميم .

ومفهوم التصميم في المشغولة يرتبط بمفهوم التصميم كأي عمل فني آخر ، من حيث المعايير العامة للتصميم . ويعني ذلك الكثير ، فهو عملية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالقدرة على الإحساس والإدراك والتخيل ، والتعبير والتنفيذ .

والمشغولة الفنية تتيح للطالب والمصمم الإضافة والتجديد ، سواء من حيث جماليات التصميم أو وظائفه أو إقتصادياته  أو سهولة التقنيات وتبسيطها . وهي كذلك تدفع المصمم إلى البحث في الوسائط المختلفة التي يمكن أن تسهم في بناء أشكاله ، وتحقيق رغباته وأفكاره .

وكان لظهور المدارس والاتجاهات الفنية الحديثة ، آثارها على الشكل مع وعي بأهمية الخامة ، حيث أدخلت خامات جديدة ، كان لها تأثير على الأعمال الفنية وجودتها ، يضاف إلى ذلك اتجاهات المصمم الفكرية والفنية ، فلما كان المصمم وليد مجتمعه بكل ما يتضمنه من مبادئ وقيم ، فإن مفاهيمه الفكرية تنبع مما يحط به من متغيرات في بيئته ومجتمعه وعصره ، بما ينعكس على صياغته الفنية .

ثانياً : ارتباط الشكل باتجاهات المصمم :

ويقصد باتجاهات المصمم : المفاهيم الفكرية والفلسفية التي يعتنقها المصمم ، وتنعكس على صياغته الفنية ، (ولما كان المصمم وليد مجتمعه بكل ما يتضمنه من مبادئ وقيم فإن مفاهيمه الفكرية تنبع مما يحيط به من متغيرات في بيئته ومجتمعه وعصره) . ويمكننا أن ننوه بالمقولة التالية :

” مما لا شك فيه أن أهم وأقيم ما في العمل الفني هو الشخصية المميزة التي يكشف عنها ، وأن ما يجذبنا ويشدنا هو الكشف عما يملكه الفرد من ملكات وسمات خاصة ، وهذا يتوقف على عاملين أساسيين  الأول : التكوين الانفعالي والذهني المميز للإنسان . الثاني : البراعة التي يعبر بها الإنسان عن نفسه في العمل ” . (ستولينتر ، 1981م) .

ثالثاً : الارتباط بالمعالجات التشكيلية والخامة للمشغولة الفنية :

1-أثر الخامة على الشكل :

تؤثر طبيعة الخامات وتقنياتها وطرق استخدامها على المصمم في بناء الشكل ، كما تؤثر في قدرته على الابتكار ، فكلما اتسعت معرفته بإمكانات الخامة وطرق معالجتها أدى ذلك إلى ازدياد أفكاره التخيلية وقدرته على الإبداع ، وتسيطر الخامة على نوعية الأشكال التي تنتج منها ، لأن لكل خامة حدودها وإمكاناتها ونواحي قصورها الطبيعية ، فالأعمال المصنوعة من الصلصال تختلف في الشكل عن الأعمال المصنوعة من الألياف أو المعادن أو النسيج ، فمن السهل تشكيل الصلصال وزخرفته بإضافات من الخامة نفسها إذا ما كان ليناً ، ومن السهل الحفر عليه وخدشه عندما يكون في طريقه إلى الجفاف ، ولكن لتشكيله حدود من حيث الحجم . إذا فهناك ارتباط بين مكونات العمل الفني من خامة وشكل ومضمون ، ولا يمكن للعقل أن يدرك الصياغة الفنية لأحد هذه المكونات إلا في إطار الكل ، وعلى هذا فإنه لا يمكن فهم أي من هذه الأبعاد بمفرده ” فالمادة والشكل والتعبير ، يعتمد كل منهما على الأخر . والمضمون التعبيري لأي عمل – لا يكون على ما هو عليه إلا عليه إلا بسبب العناصر المادية والتنظيم الشكلي ” . (ستولينتر ، 1981م) .

” والخامة كمفهوم لغوي تعني (المادة الأولية) أي الخامة التي لم تجر عليها عمليات التشكيل والتشغيل بمعنى أنها المادة قبل أن تعالج ” .

وعلى هذا فالخامة هي المادة الخام قبل تمتد إليها يد الإنسان ، سواء كانت خامات طبيعية ، أو مصنعة ، وبذلك تخرج الخامة من كيانها الأصلي إلى مفردة أو وسيط ينقل بها رسالة إلى جمهور المشاهدين .

ويعتمد تصميم المشغولة الفنية على العديد من الخامات المختلفة ، والتي يسعى المصمم دائماً للتوفيق فيما بينهم طبقاً لما تحدده متطلبات التصميم ، ومما لا شك فيه أن إدراك المصمم لنوعية الخامات المناسبة للتصميم يعتبر أولى الخطوات التي تمكنه من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه . فالاختيار الأمثل للخامة يعتبر نقطة البداية لحل كثير من المشاكل المتعلقة ببناء المشغولة الفنية ، والوسائط تعد في أهميتها مثل عناصر وأسس التصميم في أهميتها ، إذ أن الخامة التي يختارها المصمم تعد العامل المساعد في التعبير عن الأفكار .

   وقد وضح (صالح ، 1998م) أن ” الخامات لها تأثيرها وأهميتها عند المصمم ، فلكل منها إمكانات تشكيلية ، وجمالية مرتبطة بها ، وعلى المصمم دراسة خصائص وسائط التنفيذ ، حتى يتمكن من إنجاح التصميم . فقد حاول المصممون الكشف عن الوسائل التقنية وأساليب التنفيذ والمهارات التي تعبر عن أنفسهم دون الاعتماد على الإمكانات التشكيلية للخامة “.

وقد قدمت الخامة إمكانات وأبعاد إبداعية جديدة ، أتاحت المزيد من وسائل التعبير ، وهو ما يؤكده (ستولينتر ، 1981م) في قوله : ” إنك لا تستطيع أن تصنع من الفخار نفس ما يمكنك أن تصنعه من الحديد الخام ، إلا إذا كان إجباراً وافتعالاً ، فالإحساس الذي يبعثه العمل يكون مختلفاً كل الاختلاف ، وذلك لأن الخامة تتحرك وتحثك أن تصنع منها شيئاً معيناً ، وبالتحديد لو أنك تعرفت على قدرتها التشكيلية “.

2- أثر المعالجات التشكيلية والتقنية على الشكل :

على مر العصور تنوعت الأساليب التقنية المستخدمة في تشكيل الخامات على اختلاف أنواعها ، وقد كان لها عظيم الأثر في إبراز الجماليات في المشغولات الفنية في العصور السابقة ، وتعتبر تقنيات التشكيل إحدى المكونات المؤثرة في تصميم العمل الفني ، فلابد أن ترتبط بالعملية التصميمية ، من حيث دقة التشكيلات ، أو التنظيمات أو العلاقات ، فالقدرة الفعالة تكمن في استخلاص تلك التقنيات ، مع إمكانات استخدامها في تنفيذ التصميم ، وعلى ذلك يتبين أهمية التقنيات أو المعالجة التشكيلية في تصميم المشغولة ، من خلال المدرك الكلي الشامل لاستخدامات أساليبها المتنوعة ، وتختلف النتائج المظهرية ، باختلاف الأساليب التقنية ، فلكل أسلوب تأثير واضح على الشكل ، كما أن لكل أسلوب نتائج مظهرية تتباين مظاهر السطح ، والتي لها دورها المؤثر في هيئة العمل الفني ، كذلك يساعد تحديد الأساليب التقنية على تصور الملامح النهائية للشكل ، كما أن للأدوات المستخدمة آثارها التي تعتبر كبصمات تحقق تنوعاً في الصفات المرئية للمشغولة . أي أن استخدام أساليب التقنيات بأعلى درجة من الكفاءة ، يؤدي إلى معرفة المزيد من التوقعات لما يكون عليه شكل المشغولة ، فالمعرفة والتجارب التطبيقية الملموسة وتطورها إلى إطار الخبرة في استخدام التقنيات ، هي بمثابة أحد المداخل الرئيسية للعملية التصميمية ، حيث يمكن التعرف على الأسلوب التقني المناسب للمشغولة ، والمناسب لقدرات وإمكانات الخامات المستخدمة ، وذلك يعتبر أحد الأساليب التي يتحتم وجودها .  

ومن خلال الممارسة والتطبيق للتقنيات تنطلق الخبرة ويستخلص منها مدى إمكانات الاستخدامات المتنوعة ، فيتمكن المصمم من الاستفادة من نوعياتها وبالتالي يتحقق أثر واضح في تحديد ملامح الفكرة التشكيلية ، وبمقدار دقة الممارسة والتطبيق ، وخاصة في النماذج الأولى ، تزداد المعرفة لتلك الاستخدامات المؤثرة في الشكل ، وبالتالي تتعدد الاعتبارات من خلال تلك النوعيات لأساليب التقنيات  حيث يكون لكل منها أثر في الشكل للمشغولة ، إذ للتقنية أثر واضح في إطار القيم الجمالية والفنية .

الكاتبة : أسماء خالد العماري

أسماء خالد العماري كاتبة *حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم.من كلية التصاميم والفنون في الرسم والفنون. تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. جامعة الملك عبدالعزيز. *حازت على جائزة التحدي. مسابقة tiny لأصغر لوحة. كلية التصاميم. *حاصلة على عدة دورات و شهادات في مجال التربية الفنية.* مشاركة في ملتقى ومعرض منارة العرب الدولي الثاني الالكتروني للثقافة والفنون. الاردن.

شارك مع من تحب:

مقالات متعلقة

موجة فن – معرض الموهوبين 2

350 لوحة من أصل 550 , تم اختيارهم بعناية من شتى أنحاء الوطن العربي من موهوبين مبدعين ..كان الهدف من هذا المعرض تحفيز الفنان على

مفاتيح نجاح التصميم

يعتبر التصميم هو نقطة البداية والانطلاقة الحقيقية لجميع الفنون والاعمال الحرفية بل يكاد ان يتعدى ذلك الى جميع مجالات الحياة . فكل ما ننوي القيام

الفن بالزجاج – مقدمة تاريخية –

المقدمة للزجاج استعمالات كثيرة لا يمكن حصرها؛ فهناك من الأطعمة ما يحفظ في جرار زجاجية، كما يتناول الناس بعض أنواع الشراب من كؤوس زجاجية. وهناك

ماهو العلاج بالفن؟

العلاج بالفن هو أحد تخصصات علم النفس العلاجي و علم النفس الجنائي  يدمج بين علم النفس و الفن( بانواعه من رسم و أدب و قراءات

الفنون البصرية الفلسطينية (II)

الرواد (1955-1965) مرّ عقد كامل على سقوط فلسطين قبل أن تظهر الإشارات الأولى لعودة الفلسطينيين للرسم. ومثّل الرسامون  القلائل الذي وجدوا أنفسهم لاجئين في بلدان